مقال رأي : فهمي السعيدي
كلما اقتربت الانتخابات في هولندا، تتجدد الأسئلة داخل مجتمعنا العربي والمسلم
لمن نصوّت؟ من يمثلنا فعلًا؟ وهل الأفضل أن نمنح صوتنا لحزب صغير يحمل هويتنا أم نُصوّت لحزب كبير لديه القدرة على التأثير الحقيقي؟
كثيرون هذه الأيام يتوجهون نحو أحزاب صغيرة مثل حزب دينك ذو الطابع الإسلامي والعربي حسب الانتماء الثقافي أو الديني أو حتى كرد فعل طبيعي لشعور بالتهميش والتمييز هذه المشاعر مفهومة ومشروعة ولا أحد يمكنه أن يُنكر حجم التحديات التي نواجهها كمجتمعات مهاجرة أو كأقليات دينية في أوروبا
لكن السؤال الأكبر هو هل هذا الخيار يُخدمنا سياسياً يخدم معركتنا ضد خصمنا السياسي ؟
حزب مثل دينك يُعبّر عن مشاعر فئة واسعة من المسلمين والعرب لكن في ميزان السياسة الفعلية يبقى حزبًا صغيرًا جدًا محدود التأثير وغالبًا ما يتم تهميشه في النقاشات الجدية أو في تشكيل الحكومات
وفي المقابل هناك أحزاب يسارية كبيرة مثل حزب العمال حزب الخضر اليسار أو الاشتراكيين تقف في وجه اليمين المتطرف وتدافع عن قضايا الهجرة والمساواة وحرية الدين ومكافحة العنصرية هذه الأحزاب ورغم اختلافاتنا معها في بعض النقاط هي الكتلة الوحيدة القادرة فعليًا على وقف صعود اليمين المعادي للمسلمين والعرب
فهل من الحكمة أن نُضعف هذه الكتلة بأن نُشتّت أصواتنا على أحزاب صغيرة لا تملك فرصة حقيقية للتأثير أو المشاركة في صنع القرار؟
اليمين المتطرف لا يكسب لأنه أكثر شعبية بل لأنه يستفيد من تفرّق الأصوات بين أحزاب الوسط واليسار وتشتيت أصوات خصومه ونحن كجالية عربية ومسلمة نملك في بعض المدن والمناطق قوة انتخابية حقيقية لكن هذه القوة تفقد قيمتها إن توزعت بين 4 أو 5 أحزاب لا تتحالف مع بعضها أي ان كل صوت يخرج من الكتلة اليسارية المعارضة لليمين هو مكسب لليمين لا عن قصد ولكن بالنتيجة
لذلك علينا أن نُصوّت بذكاء لا فقط بالعاطفة
الهوية لا تُختزل في بطاقة الاقتراع كما يروحها حزب دينك ذو طابع الهوية الإسلامية أو العربية فالسياسة ليست فقط من يشبهنا بل من يستطيع أن يدافع عنا في ساحة القرار لا أن نصوّت لحزب صغير لا يملك فرصًا فقط لأنه يُخاطب هويتنا قد يكون تصرفًا عاطفيًا لكنه لا يُغير الواقع بل قد يُسهم في جعله أسوأ
أحبتي الواقع أن معركتنا الآن ليست فقط من يُمثّلنا، بل من يمنع خصمنا من الوصول إلى السلطة اليمين المتطرف لا يُخفي مشاريعه ولا مشارعه فطرد اللاجئين وتقييد الحريات الدينية وإغلاق المساجد وتشويه صورة المسلمين والعرب وشيطنتهم اهم بند في برنامجه الانتخابي فهل نُسهّل له الطريق بتفريق أصواتنا؟
أخيراً لست ضد حزب دينك لكنني معك ضد اليمين ولست هنا لأهاجم أي حزب ولا أطلب من الناس التخلي عن مبادئهم كل ما أطلبه هو أن نفكر بمنطق المصلحة العامة اليوم مصلحتنا كعرب ومسلمين في هولندا تقتضي أن نُصوّت لمن يملك القدرة الحقيقية على الوقوف في وجه اليمين المتطرف، حتى وإن لم يُمثّلنا بالكامل
لأن صوتك له قيمة فلا تهدره حيث لا يمكنه أن يُحدث فرقًا لقضيتك
فهمي السعيدي


+ There are no comments
Add yours