انتخابات تحدد ملامح التعايش في هولندا

في حلقة جديدة من بودكاست ماذا بعد، يواصل الدكتور أبو بكر باذيب طرح قضايا المشاركة السياسية للمهاجرين في هولندا، واضعًا المستمع أمام لحظة مفصلية من الوعي الجمعي مع اقتراب الانتخابات البرلمانية الهولندية في 29 أكتوبر 2025.
الحلقة، التي جاءت تحت عنوان “صوتك يصنع التوازن”, تتجاوز الطرح العاطفي إلى دعوة واعية للفعل الديمقراطي المسؤول، إذ يرى الدكتور باذيب أن صعود اليمين المتطرف بقيادة خيرت فيلدرز لا يُعد مجرد حدث سياسي، بل تحوّل في بنية الخطاب العام قد ينعكس مباشرة على حقوق اللاجئين والمهاجرين ومستقبل التعايش داخل المجتمع الهولندي.

معركة وعي قبل أن تكون معركة صناديق

يشير باذيب إلى أن التحدي اليوم لا يقتصر على مواجهة خطاب الكراهية، بل في بناء وعي انتخابي واقعي يميز بين الأحزاب ذات المشاريع القابلة للتطبيق وتلك التي تكتفي بالشعارات الرنانة.
فهو يرفض ما يسميه بـ “أحزاب الشعارات” التي تسعى لاستمالة مشاعر الجاليات دون قدرة حقيقية على التأثير في المشهد البرلماني، منتقدًا في هذا السياق أحزابًا مثل دينك التي يرى أنها رغم احترامه لأعضائها، لا تملك الثقل البرلماني الكافي لإحداث فرق ملموس.

وبلغة حازمة، يؤكد أن تشتيت الأصوات بين الأحزاب الصغيرة يخدم اليمين المتطرف في نهاية المطاف، داعيًا إلى دعم الأحزاب القادرة على خلق توازن داخل البرلمان مثل:

  • حزب (D66)،
  • حزب (GroenLinks-PvdA)،
  • وحزب (CDA) بدرجة أقل.

هذه الأحزاب، بحسب تحليله، تمثل الكتلة الوسطية واليسارية المعتدلة القادرة على كبح اليمين وحماية مبادئ التعايش والمواطنة المتساوية.

صوت المهاجرين… رقم سياسي لا يمكن تجاهله

تتوقف الحلقة مطولًا عند أهمية مشاركة الهولنديين من أصول مهاجرة في الانتخابات.
فالإحصاءات الرسمية، كما يذكر باذيب، تُظهر أن نسب التصويت بين المهاجرين لا تزال منخفضة، وهو ما يُقرأ في الأوساط السياسية على أنه لامبالاة أو غياب للوعي الديمقراطي، مما يدفع بعض الأحزاب اليمينية إلى تجاهل مصالح هذه الفئة أو حتى استهدافها بخطابات إقصائية.

ويحذّر باذيب من أن كل صوت مهاجر يُحدث فرقًا في الأرقام النهائية، إذ إن ارتفاع نسبة المشاركة بين الجاليات العربية والمغاربية والشرقية سيجبر الأحزاب الكبرى على إعادة النظر في خطابها وبرامجها تجاه هذه الفئات، باعتبارها شريكًا فعّالًا في صياغة مستقبل البلاد لا مجرد مقيم عابر.

الديمقراطية مسؤولية مشتركة

في نبرة أقرب إلى التحفيز الوطني، يخاطب باذيب جمهوره قائلًا:

“اذهب إلى مركز الاقتراع وأثبت أنك شريك في هذا المجتمع… خذ بطاقتك وصوّت، فصوتك لا يأخذ منك أكثر من دقيقتين، لكنه يحدد مستقبل أولادك.”

بهذه اللغة القريبة من الناس، يعيد باذيب تعريف مفهوم المواطنة الفاعلة، ليس بوصفها جنسية قانونية فحسب، بل ممارسة واعية ومسؤولة تعكس الإيمان بحق الجميع في المشاركة وصناعة القرار.

ما يميز هذه الحلقة ليس فقط عمقها السياسي، بل صدقها الإنساني.
فالدكتور باذيب لا يتحدث بلسان حزب أو أيديولوجيا، بل بلسان مواطن مهاجر يؤمن بأن الديمقراطية الحقيقية لا تكتمل إلا بمشاركة الجميع.
وفي بلد كـهولندا، حيث تتقاطع مصالح الهويات المتعددة، يبقى الصوت الانتخابي للمهاجرين ورقة توازن قادرة على حماية قيم العدالة والمساواة من موجات التطرف.

وفي الختام، نؤكد أن الاختلاف لا يفسد للود قضية، فاختلاف الرؤى وتعدد الآراء هو ما يصنع الوعي ويثري الحوار.
ونحن في هولندا عربية سعداء بأن ننشر آراءكم، ونحتفي بتنوع أصواتكم التي تعبر عن مجتمع حيّ يؤمن بالنقاش والاحترام المتبادل.

Please follow and like us:

+ There are no comments

Add yours