تقرير من هولندا عربية : قوانين اللجوء ستسقط… في مجلس الشيوخ أو في قاعات المحاكم

في هذا التقرير من “هولندا عربية”: نفكك بالتفصيل رأي مجلس الدولة الهولندي في قانوني اللجوء الصارمين – لماذا رفضهما؟ وما الذي كشفه عن مخاطرهما القانونية والإنسانية؟ ( المقال طويل لهذا جهز كوب قهوة واقراء بروقان )

في خضم فوضى سياسية وإعلامية متزايدة حول ملف اللجوء في هولندا، أقر مجلس النواب الهولندي (Tweede Kamer) مشروعَي قانونين مثيرين للجدل يُفترض أن يُحدثا تغييرات جذرية في نظام اللجوء.

 أحدهما يسمى قانون تدابير الطوارئ في مجال اللجوء، والآخر قانون إدخال نظام “الوضعيتين” للحماية، وبعد المصادقة عليهما في الغرفة الأولى للبرلمان، ينتقل الملف الآن إلى مجلس الشيوخ (Eerste Kamer)، حيث ينتظر الجميع رأياً حاسماً، لا من الأحزاب فحسب، بل من جهة قانونية لا تقل نفوذاً وتأثيراً: مجلس الدولة الهولندي (Raad van State).

في “هولندا عربية”، نعتقد أن فهم رأي مجلس الدولة، الذي أُرفق مع القوانين منذ البداية، هو مفتاح فهم الأزمة برمّتها، فهو لم يكن مجرد رأي فني، بل نقداً لاذعاً يضرب جوهر القانونين في صلبهما ،وبينما تجاهله مجلس النواب ومضى في التصويت، فإن مجلس الشيوخ قرر التوقّف وإعادة النظر، تحديداً بعد موجة الجدل التي فجّرها تعديل حزب الحرية (PVV) القاضي بتجريم تقديم أي مساعدة للمهاجرين غير النظاميين، حتى لو كانت قطعة خبز أو بطانية في برد الشتاء.

عند تقديم القانونين إلى البرلمان بداية هذا العام، قام مجلس الدولة بإصدار رأيين منفصلين، لكنهما يحملان رسالة موحّدة وواضحة: لا تفعلوا هذا.

 لم يكن الرفض مبنياً على خلفيات سياسية أو أخلاقية، بل على أرضية قانونية وتنفيذية عميقة، مجلس الدولة اعتبر أن هذه التشريعات، كما صيغت، لا تستند إلى أدلة، ولا تحل المشكلة، وقد تؤدي إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بل وتتعارض مع القانون الأوروبي، خصوصاً مع اقتراب تطبيق الميثاق الأوروبي الجديد للهجرة واللجوء عام 2026.

  • بالنسبة لقانون تدابير الطوارئ، وهو القانون الأول:

 أشار مجلس الدولة إلى أن الحكومة لم تقدم أي إثبات علمي أو عملي على أن تقليص مدة الإقامة أو تسهيل إعلان طالبي اللجوء كغير مرغوب فيهم، أو تشديد لمّ الشمل، سيؤدي إلى خفض الضغط على النظام. بل على العكس، قال المجلس إن حذف المرحلة الأولى من إجراء اللجوء – المعروفة بـ “voornemen” – سيُضعف حق الدفاع القانوني لطالب اللجوء، ويؤدي إلى طوفان من الطعون القضائية، مما يُثقِل كاهل الجهاز القضائي أكثر، لا أقل.

كما حذّر المجلس من تطبيق هذه القوانين بأثر رجعي، وهو ما قد يمس بمبدأ المساواة القانونية، خاصة أن المعايير الجديدة ستطبق على طلبات سبق تقديمها، مما يعني أن شخصين في نفس الوضع سيعاملان بشكل مختلف فقط لأن أحدهما قدم طلبه قبل الآخر بأسابيع. والأسوأ، أن هذه الإجراءات كلها لا تتماشى مع القانون الأوروبي، وقد تستدعي التراجع عنها بعد عام واحد فقط، عند دخول الميثاق الأوروبي الموحد للهجرة حيز التنفيذ.

  • نص رأي مجلس الدولة بقانون تدابير اللجوء الطارئة:

بموجب رسالة مجلس الوزراء المؤرخة في 20 ديسمبر 2024 رقم 2024002937، أحالت جلالة الملكة، بناءً على اقتراح من وزير اللجوء والهجرة، إلى قسم الاستشارات بمجلس الدولة للنظر مشروع القانون المتعلق بتعديل قانون الأجانب لعام 2000 والقانون الإداري العام فيما يخص اتخاذ تدابير لتخفيف الضغط على سلسلة اللجوء وتقليل تدفق طالبي اللجوء (قانون تدابير الطوارئ في اللجوء)، مرفقًا بمذكرة توضيحية.

وقد تم تقديم هذا المشروع في الوقت نفسه مع مشروع قانون إدخال نظام الوضعيتين، مع طلب تقديم المشورة بشأن كلا المشروعين في أقرب وقت ممكن. واستنادًا إلى هذا الطلب ومحتوى المشروعين، فقد قيّم قسم الاستشارات بمجلس الدولة المشروعين معًا وفي ترابط.

يوصي القسم بعدم تقديم مشروع قانون تدابير الطوارئ في اللجوء إلى مجلس النواب في شكله الحالي.

الهدف من مشروعي القانونين هو تخفيف الضغط على سلسلة اللجوء بشكل مباشر ومستدام، وتقليل تدفق طالبي اللجوء إلى هولندا. ومع ذلك، فإن المذكرة التوضيحية لا تثبت بشكل كافٍ أن هذه التدابير ستُسهم فعليًا في تقليل التدفق أو جعل إجراءات اللجوء أكثر كفاءة. ومن المرجح أن تؤدي هذه التدابير إلى عبء إضافي على دائرة الهجرة والتجنيس (IND) والقضاء. بالإضافة إلى ذلك، يتوجب على هولندا تنفيذ ميثاق اللجوء والهجرة الأوروبي في عام 2026، وإذا لم يتم تنسيق مشروعات القوانين معه بشكل جيد، فقد يؤثر ذلك سلبًا على الأمان القانوني ويزيد من تعقيد التنفيذ والأحكام القضائية.

اللجوء والهجرة في هولندا
يشهد النقاش المجتمعي حول اللجوء والهجرة في هولندا وخارجها حيوية كبيرة. فالكثير من الناس يعتقدون أن من يفرون من الحروب أو الاضطهاد يجب أن يجدوا ملاذًا آمنًا، في حين يشعر آخرون بالقلق حول قدرة المجتمع الهولندي على استيعاب أعداد كبيرة من المهاجرين، سواء من ناحية التماسك الاجتماعي أو الحصول على خدمات مثل السكن والرعاية الصحية والتعليم. ويجدر التنويه إلى أن القادمين إلى هولندا لا يقتصرون على طالبي اللجوء فقط، بل يشملون أيضًا العمال المهاجرين والطلاب والمهاجرين لأسباب لم الشمل العائلي.

تعاني دائرة الهجرة (IND) والقضاء من تراكم كبير في المعاملات، مما يضطر طالبي اللجوء إلى الانتظار لفترات طويلة للحصول على قرار في قضاياهم، وهم يقيمون خلال ذلك في مراكز استقبال تعاني في بعض الأحيان من الاكتظاظ.

إعداد غير دقيق
نظرًا إلى طابع الاستعجال في قضية اللجوء، قررت الحكومة تسريع الإجراءات التشريعية. ولكن عددًا محدودًا من الهيئات، من بينها IND والجهاز القضائي، أُعطي أسبوعًا واحدًا فقط لتقديم وجهة نظرهم بشأن مشروع القانون. ويشير القسم إلى أن إشراك المواطنين والمؤسسات التنفيذية والممارسين القانونيين في مرحلة مبكرة أمر ضروري للتشريع الجيد. ولم يكن هناك ما يبرر تخطي هذه الخطوات بسبب الرغبة السياسية في تسريع تشديد سياسات اللجوء.

الفعالية والتنفيذ
لم تستند المذكرة التوضيحية على ممارسات فعلية أو دراسات علمية تشير إلى أن التدابير المقترحة ستؤدي فعلاً إلى تقليل تدفق طالبي اللجوء أو إلى تسريع الإجراءات. بل تشير معطيات واضحة إلى أن هذه التدابير قد تؤدي إلى زيادة العبء على IND والقضاء. كما لم توضح الحكومة كيف ستتوافق هذه الإجراءات مع ميثاق اللجوء والهجرة الأوروبي المرتقب في 2026، الأمر الذي قد يؤدي إلى تضارب تشريعي ومشكلات تنفيذية إضافية.

الحقوق الأساسية
يبدي القسم ملاحظات قانونية بشأن مدى توافق مشروع القانون مع الحقوق الأساسية. حتى إن كانت بعض الإجراءات قانونية من حيث المبدأ، فإن كيفية تنفيذها غير واضحة. وهذا الغموض قد يؤدي إلى انتهاكات للحقوق الأساسية، خاصة إذا لم تتمكن IND أو القضاء من إصدار قرارات خلال فترة زمنية معقولة. كما أن منح التدابير “أثرًا فوريًا” يُعد أمرًا قانونيًا إشكاليًا، لأنه سيُطبق على القضايا الجارية دون مبرر كافٍ، مما يؤدي إلى معاملة غير متساوية وتضارب مع مبدأ الأمان القانوني.

حول هذا الرأي
نظرًا لأن القسم درس مشروعي القانون معًا، فإن الرأيين يحتويان على مناقشة عامة متطابقة بشأن الإطار التشريعي المطلوب، يليها تطبيق هذا الإطار على مشروع قانون تدابير الطوارئ في اللجوء. وتشمل ملاحظات القسم:

  1. ضعف الإعداد القانوني.
  2. شكوك حول فعالية وكفاءة التدابير المقترحة.
  3. تعارض محتمل مع ميثاق اللجوء والهجرة الأوروبي.
  4. غياب الحماية الكافية لمبدأ الأمان القانوني والمساواة أمام القانون.
  5. اعتراضات قانونية على تفاصيل مثل إلغاء إجراء “النية المسبقة” وتوسيع نطاق “الإعلان غير المرغوب فيه”.

الخلاصة
يرى القسم أن مشروع القانون، في صيغته الحالية، غير كافٍ لتحقيق الأهداف المعلنة، بل قد يؤدي إلى نتائج عكسية. لذلك يُوصى بعدم تقديم المشروع إلى مجلس النواب ما لم يُعدّل بشكل جوهري. ويجب إعادة تقييم جميع التدابير المقترحة، وتوضيح علاقتها بالميثاق الأوروبي، والنظر في دمجها مع مشروع القانون الخاص بتنفيذ الميثاق. كما يجب إشراك الهيئات التنفيذية والقضائية بشكل جدي في هذه العملية.

نائب رئيس مجلس الدولة

  • أما القانون الثاني، المتعلق بإدخال “نظام الوضعيتين”:

 فقد وصفه مجلس الدولة بأنه عودة إلى نظام قديم جُرّب في هولندا سابقاً، وتم التخلي عنه مطلع الألفية بسبب فشله الذريع. النظام الجديد القديم يقسم اللاجئين إلى فئتين: من يحصلون على حماية وفق اتفاقية جنيف (وضع A)، ومن يحصلون على حماية فرعية (وضع B). الفئة الثانية ستُحرم من كثير من الحقوق الأساسية، وأبرزها لمّ الشمل العائلي، حيث سيُفرض عليها الانتظار عامين على الأقل، مع شرط إثبات الدخل والسكن، ما يعني ببساطة حرمان آلاف الأسر من الاجتماع.

مجلس الدولة رأى في هذا النظام تمييزاً غير مبرر، قائماً على أسس قانونية مهزوزة، تنتهك مبادئ عدم التمييز وتُعرض الحكومة لسيل من الطعون القضائية. وفي ملاحظته الأشد، قال المجلس إن هذا النظام قد يؤدي إلى تمزيق الأسر، خاصة عندما لا يُسمح للأطفال بلمّ الشمل مع إخوتهم الأكبر سناً أو مع آبائهم إذا لم يكن الزواج مسجلاً رسمياً، في تجاهل صارخ للواقع الإنساني والثقافي لكثير من اللاجئين.

  • نص رأي مجلس الدولة في نظام الوضعيتين :

بموجب رسالة من مجلس الوزراء بتاريخ 20 ديسمبر 2024، رقم 2024002938، وبناءً على اقتراح من وزير اللجوء والهجرة، أحالت جلالة الملكة إلى قسم الاستشارات بمجلس الدولة مشروع قانون لتعديل “قانون الأجانب لعام 2000” بما يخص إدخال نظام الوضعيتين وتشديد شروط لمّ الشمل (قانون إدخال نظام الوضعيتين)، وذلك للنظر فيه مرفقًا بمذكرة توضيحية.

هذا المشروع عُرض بالتزامن مع مشروع “قانون تدابير الطوارئ في اللجوء”، وطُلب من القسم إصدار رأي بشأن كليهما في أقرب وقت ممكن. وبناءً عليه، قام القسم بتقييم المشروعين بشكل مترابط.

التوصية العامة

ينصح القسم بعدم تقديم مشروع قانون إدخال نظام الوضعيتين إلى مجلس النواب بشكله الحالي.

ملاحظات رئيسية

1. عدم إثبات فعالية الإجراءات

الهدف المعلن من المشروع هو تخفيف الضغط على سلسلة اللجوء وتقليل تدفق طالبي اللجوء. إلا أن المذكرة التوضيحية لا تحتوي على أدلة واقعية أو علمية تشير إلى أن هذه الإجراءات ستنجح في تحقيق ذلك. على العكس، هناك مؤشرات قوية على أن الإجراءات ستزيد من العبء على دائرة الهجرة (IND) والقضاء.

2. تعارض محتمل مع ميثاق الاتحاد الأوروبي

من المقرر أن تُطبق إجراءات الميثاق الأوروبي للجوء والهجرة بدءًا من يونيو 2026، ويتطلب ذلك تعديلًا شاملًا للتشريعات الوطنية. المشروع الحالي لا يوضح علاقته بالميثاق، ما قد يؤدي إلى تضارب تشريعي ومشكلات في التنفيذ.

3. انتقادات للإعداد السريع وغير الدقيق

تم إعداد المشروع بشكل مستعجل دون مشاورات كافية مع الجهات المعنية (مثل: مجلس القضاء، نقابة المحامين، مجلس الهجرة الاستشاري). كما لم تُجرَ استشارة عامة على الإنترنت، مما أضعف المشاركة المجتمعية والشفافية التشريعية.

4. التطبيق بأثر فوري غير مبرر

يقترح المشروع تطبيق القوانين فورًا على الحالات الجارية دون فترة انتقالية، مما قد يؤدي إلى انتهاك مبدأ الأمان القانوني والمساواة، حيث تُعامل حالات مشابهة بشكل مختلف فقط بناءً على توقيت صدور القرار.

5. نقاط ضعف في التصميم القانوني

  • إدخال نظام الوضعيتين (لاجئ vs. حماية فرعية) سيعيد المشاكل التي كان النظام السابق يعاني منها قبل 2000، مثل التقديم المتكرر لتحسين الوضع القانوني.
  • فرض فترة انتظار لمدة سنتين ولمّ الشمل المشروط للمحميين فرعيًا، بما في ذلك متطلبات السكن والدخل، قد يُعدّ غير متناسب، خاصة في حالات الأطفال القُصّر.
  • تقليص تعريف “الأسرة الأساسية” قد يؤدي إلى انتهاك مبدأ عدم التمييز، خاصة تجاه الشركاء غير المتزوجين أو العائلات التي لا يمكنها الزواج لأسباب ثقافية أو قانونية (مثل المثليين في دول تُجرّم ذلك).

الخلاصة

ينصح القسم بما يلي:

  1. عدم تقديم مشروع القانون في صورته الحالية.
  2. إعادة تقييم كل إجراء على حدة وتبريره بناءً على:
    • فعاليته المتوقعة.
    • قابلية تطبيقه.
    • توافقه مع ميثاق اللجوء الأوروبي ومعايير الحقوق الأساسية.
  3. دمج هذا المشروع مع مشروع تنفيذ ميثاق اللجوء الأوروبي لتجنب التكرار والتضارب.
  4. تعديل مواد القانون بما يراعي مبدأ الأمان القانوني، المساواة، وحقوق الإنسان.

نائب رئيس مجلس الدولة

ورغم كل هذه الملاحظات، صوّت مجلس النواب لصالح القانونين، بعد ضغوط سياسية كبيرة من أحزاب اليمين، خصوصاً حزب PVV، الذي أضاف تعديلاً يقضي بتجريم تقديم أي مساعدة للمهاجرين غير النظاميين.

هذا التعديل تحديداً هو ما فجّر الغضب داخل مجلس الشيوخ، وجعل أحزاباً محافظة مثل SGP تتراجع عن دعمها المشروط. قال السيناتور “شالك” من حزب SGP بوضوح: “من غير المعقول أن تكون لدينا نية لمعاقبة إنسان على تقديم طبق حساء”.

لهذا السبب، طلب مجلس الشيوخ رأياً جديداً من مجلس الدولة، يركّز تحديداً على هذا التعديل المتعلق بالتجريم. إن جاء الرد سلبياً، وهو المرجّح بشدة، فإن القانون بأكمله سيفقد دعم SGP – الحزب الذي يمتلك أصواتاً حاسمة لضمان الأغلبية – وبالتالي ستسقط حظوظ القانون في الشيوخ.

وحتى لو تم تمريره سياسياً، فإن فرصه القانونية ضعيفة جداً، نظراً لعدم توافقه مع الاتفاقيات الأوروبية الأساسية، مثل الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وميثاق الاتحاد الأوروبي.

وفي “هولندا عربية”، لا نرى أن هذه القوانين ستعيش طويلاً. فسواء سقطت عند أول تصويت في مجلس الشيوخ، أو استمرت لفترة قصيرة، فإنها ستواجه معركة قانونية عنيفة في المحاكم الهولندية والأوروبية على حد سواء. قوانين اللجوء، بهذه الصيغة، لا تقف على أرض قانونية صلبة، بل على رمال سياسية متحركة. وفي كلا الحالتين، النهاية محسومة: هذه القوانين ستسقط… ستسقط، إن لم يكن اليوم في مجلس الشيوخ، فغداً في المحكمة.

Please follow and like us:

+ There are no comments

Add yours