تقييم هولندي جديد لليمن: ماذا يعني لطالبي اللجوء؟

تعرف على أحدث تقييم هولندي لوضع اليمن، وتحليل شامل لمعانيه وتبعاته على طالبي اللجوء اليمنيين، بين المناطق الآمنة والمناطق الأكثر خطورة.

بقلم: زكريا كرش _ Zakarya karash | مقال تحليلي | 9 أكتوبر 2025

ما إن أصدرت دائرة الهجرة والتجنيس الهولندية (IND) تقييمها الجديد للوضع في اليمن حتى انقسم اليمنيون من طالبي اللجوء إلى قسمين:
قسم يرى في القرار خطوة إيجابية نحو الاعتراف بمعاناتهم، وقسم آخر يصفه بالسلبي والمخيّب للآمال.
وفي الحقيقة، كلا الطرفين يحملان جزءًا من الصواب، لأن التقييم لم يُتخذ بعشوائية، بل جاء بعد دراسة دقيقة استمرت لأشهر، واستند إلى تقارير رسمية وحكم قضائي صادر عن مجلس الدولة الهولندي.

بعض المنظمات الإنسانية وبعض الأفراد وصفوا التقييم بأنه غير عادل، رغم أنه يغطي مساحة كبيرة من اليمن المصنفة غير آمنة.
وأنا أنضم إليهم، ليس لمصالح شخصية، بل لإيصال رسالة واضحة: إذا رضينا بالقليل اليوم، فقد يصبح ذلك مبررًا لتقليص حقوق اللاجئ اليمني غدًا.
ولهذا، أرى أن وجود جهات تعارض القرار أمر ضروري، لأنه يحمي حقوقنا ويؤكد أننا لن نتنازل عن حقوقنا المستقبلية تحت أي ظرف.

أولًا: مضمون التقييم الجديد

يقسم التقييم الهولندي اليمن إلى ثلاث فئات رئيسية من حيث درجة الأمان والخطر:

  1. مناطق غير آمنة تمامًا:
    تشمل صنعاء، إب، صعدة، تعز، عدن، مأرب، البيضاء، أبين، شبوة، الضالع، الحديدة، الجوف، ولحج.
    هذه المحافظات خاضعة للمادة 15c من التوجيه الأوروبي، التي تتيح الحماية الدولية لمن يواجه خطرًا جسيمًا بسبب النزاع المسلح.
  2. مناطق أقل خطورة:
    مثل ذمار، حجة، ريمة، المحويت، وعمران.
  3. مناطق اعتُبرت آمنة:
    حضرموت، المهرة، وسقطرى.
    وترى الوزارة أنه يمكن النظر إليها كـ”بدائل حماية داخلية” لبعض الحالات الفردية القادمة من مناطق أخرى.

ثانيًا: سبب اختلاف الآراء

الاختلاف في المواقف أمر طبيعي، خاصة بين المحامين وطالبي اللجوء وحتى بين المنظمات الإنسانية والحقوقية.

تخيل مثلًا أن محاميًا لديه ثلاثة موكلين يمنيين: أحدهم من صنعاء، والآخر من حضرموت، والثالث من ذمار.
الموكل القادم من صنعاء سيستفيد لأن محافظته مصنفة “غير آمنة”، بينما القادم من حضرموت قد يتضرر لأن منطقته اعتُبرت “آمنة”، والثالث من ذمار سيكون بين الحالتين.

لذلك، من الطبيعي أن يقول المحامي إن القرار ليس جيدًا، لأن بعض موكليه فقط سيستفيدون منه.
لكن هذا لا يعني أن القرار سلبي أو ضد اليمنيين جميعًا، بل هو تقييم مناطقي يفتح الباب لمن يفهم كيفية توظيفه لصالحه.

ثالثًا: لا تفقدوا الأمل بسبب ردود المحامين

كثير من طالبي اللجوء شعروا بالإحباط حين أخبرهم المحامون أن القرار “ليس في صالحهم”.
لكن من وجهة نظري، يجب ألا نتعامل مع هذه الردود كحكم نهائي.
فالتقييم الجديد في جوهره يعترف بأن أغلب مناطق اليمن لا تزال غير آمنة، وهذا بحد ذاته مكسب قانوني يجب البناء عليه.

القضية ليست في نص القرار بقدر ما هي في طريقة التعامل معه.
من يُحسن عرض ملفه، ويقدم قصته الشخصية بشكل واضح ومدعوم بالأدلة، سيستفيد من هذا التقييم بدرجة كبيرة جدًا.

رابعًا: حول تصنيف بعض المناطق “الآمنة”

بشأن تصنيف المهرة وسقطرى وحضرموت كمناطق آمنة، وأنها قد تُعتبر بدائل للحماية الداخلية، كيف يمكننا تفسير ذلك؟ وما هي الحلول الممكنة؟

سؤال: ماذا علينا أن نفعل إذا قيل إن طالب اللجوء اليمني يمكنه العودة إلى إحدى تلك المحافظات؟

بالنسبة لمن يقيمون في المناطق الشمالية، خصوصًا أولئك الذين صُنّفت محافظاتهم كمناطق غير آمنة، لديهم حجة منطقية قوية: المناطق التي وُصفت بأنها آمنة تقع في الجنوب، والانتقال إليها ليس أمرًا سهلاً.
فهناك تسيطر جماعات المجلس الانتقالي الجنوبي، التي تسعى بكل الوسائل إلى فصل جنوب اليمن عن شماله، مما يعني أن أي مواطن شمالي غير مرحّب به، وقد يكون عقابه السجن أو الموت، وفي أفضل الأحوال إعادته قسرًا إلى المناطق الشمالية الأكثر خطورة.
وهذا أمر معروف للجميع، لذلك يجب ألا نغفل هذه النقطة أبدًا.

سؤال: وماذا عن الأشخاص الذين يقيمون في جنوب اليمن، ممن صُنّفت محافظاتهم كمناطق غير آمنة؟ إلى أين يمكنهم العودة؟

لا يخفى على أحد أن غالبية المواطنين في جنوب اليمن ضد فكرة تقسيم اليمن إلى قسمين.
وهنا تكمن الخطورة؛ فالمعارضون لتوجه المجلس الانتقالي يواجهون مصيرًا مظلمًا، قد يكون السجن أو الموت أو الاضطهاد.
كما أن المليشيات المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي لا تقل خطرًا أو قمعًا عن المليشيات الشمالية ممثلة بجماعة الحوثي الإرهابية.
ولهذا، يبقى الخطر قائمًا، وحياة المواطن اليمني مهددة طالما تتحكم بها جماعات مسلحة لا تعترف بسيادة الدولة أو بحقوق الإنسان.

خامسًا: تقييم لحفظ ماء الوجه

جاء هذا التقييم بعد صدور حكم المحكمة العليا ضد المبررات السابقة التي كانت تستخدم لرفض العديد من طلبات اللجوء اليمنية.
ولذلك يمكن القول إن هذا التقييم جاء ليحفظ ماء وجه الوزارة أمام البرلمان والرأي العام، من خلال تقسيم اليمن إلى “آمنة” و”غير آمنة”، بدلًا من الاعتراف بأن البلد بأكمله يعيش حالة حرب وعدم استقرار.

خلاصة ورأي شخصي

من وجهة نظري، التقييم الجديد إيجابي لمن يعرف كيف يوظفه لمصلحته.
فهو يعترف رسميًا بأن اليمن بلد غير آمن في أغلب مناطقه، ويمنح مساحة قانونية واسعة يمكن من خلالها الدفاع عن قضايا اللجوء بشكل أقوى.

لكن يجب ألا نكتفي بالقضية العامة، بل علينا أن نعززها بقضية شخصية واضحة ومقنعة، تُظهر كيف أن ظروفنا الفردية تجعلنا في خطر إضافي حتى داخل ما يسمى بالمناطق “الآمنة”.

رسالتي إلى إخوتي وأخواتي من طالبي اللجوء:
لا تدعوا الإحباط يسيطر عليكم بسبب تفسيرات الآخرين.
القرار الجديد ليس ضدكم، بل هو فرصة تحتاج إلى وعي، وصبر، واستراتيجية في عرض القضية.
فمن يفهم كيفية التعامل مع النظام القانوني، يستطيع أن يحوّل حتى التقييم الرمادي إلى فرصة ذهبية.

الخلاصة النهائية العملية:
اليمن لا يزال بلدًا غير آمن، وهذا ما يعترف به التقييم الرسمي، وإن بصيغة حذرة.
لكن المسؤولية تقع الآن على طالب اللجوء ليستخدم هذا الاعتراف لصالحه.
فالذكاء القانوني والإعداد الجيد للملف هما الفارق الحقيقي بين الرفض والقبول.

Please follow and like us:

+ There are no comments

Add yours