هكذا نوقف تطبيع العنصرية

مقال رأي – بقلم: هانز غرون

في السنوات الأخيرة، تسللت العنصرية إلى تفاصيل حياتنا اليومية، حتى باتت عبارات الكراهية التي كانت تُعتبر مستفزة أو غير مقبولة، تُقال على الملأ وكأنها حديث عابر. من المنابر السياسية والإعلامية، إلى الشارع والمقاهي والمناسبات العائلية، يتكرر الخطاب نفسه بلا مواجهة تُذكر. ومع كل مرة نصمت فيها عن تعليق جارح أو توصيف عنصري، نمنح هذه الأفكار مساحة أكبر لتترسخ، ونشارك — ولو بصمت — في عملية خطيرة: تطبيع العنصرية.

إنها حقيقة: عنصرية فيلدرز ومن على شاكلته أصبحت شيئاً عادياً. ليس فقط في السياسة والإعلام، بل أيضاً في الشارع، وفي الحانات، وحتى في التجمعات العائلية.
ربما سمعتم ذلك بأنفسكم: التلميحات، والتعليقات المأخوذة حرفياً من الخطاب العنصري الذي يروّجه فيلدرز باستمرار. مثل: “اللاجئون يحصلون على كل شيء مجاناً”، أو “تلك المرأة التركية لم تحصل على غرامة بينما أنا حصلت عليها”، أو “المثليون لم يعودوا قادرين على السير يداً بيد بسبب الأجانب”. أمثلة كثيرة باتت تُسمع في كل مكان هذه الأيام.

في معظم الحالات، لا نرد إلا بالكاد، أو لا نرد على الإطلاق. نحن لا نريد جدالاً قد يؤدي إلى شجار أو قطيعة. لكن بذلك، نحن نقبل ونطبّع هذه الأطر العنصرية. الشخص الذي يطلق هذه التصريحات يشعر أنه في أمان، بل ومؤكَّد في آرائه، لأن أحداً لا يواجهه.

وهكذا تتغلغل العنصرية أعمق فأعمق في شرايين مجتمعنا. إلى درجة أن الفاشيين يسيرون في الشوارع بلا أي خجل — انظروا إلى ألمانيا وأستراليا مؤخراً — وفي هولندا يظهرون كذلك في تجمعات فيلدرز. ونحن نكتفي برفع أكتافنا والتقليل من الأمر بعبارة: “إنها مجرد رأي”.

لكنها ليست رأياً. إنها كراهية، في أنقى وأبشع صورها. ولهذا، يقع على عاتقنا أن نتصدى لها وألا نقبلها بعد الآن. لا، لستم مضطرين إلى افتعال شجار، لكن كونوا مباشرين وواضحين: أنكم لا تقبلون العنصرية.

كما فعلتُ أنا بالأمس في حديقة الكلاب، حين سمعت رجلاً يصف طالبي اللجوء بأنهم “مستغلون”. رددت فوراً وبوضوح أنني لا أتسامح مع العنصرية، وأظهرت من خلال تعابير وجهي أن الأمر غير قابل للنقاش. فأمسك الرجل عن الكلام مباشرة.

مواجهة هذا النوع من العنصرية فوراً يجعل من يطلقون هذه العبارات يشعرون بعدم الارتياح، ويكبح حريتهم في التحدث بها بلا رادع. نعم، إنها شكل من أشكال الرقابة الاجتماعية. لكن غياب هذه الرقابة، واعتبار كل شيء “مجرد رأي”، هو ما يمنح العنصريين كل المساحة. لا تمنحوهم هذه المساحة. أوقفوا تطبيع العنصرية، حتى لو أدى ذلك إلى مواقف غير مريحة.

Please follow and like us:

+ There are no comments

Add yours