هولندا تعلن: “اليمن غير آمن”… ولكن؟

قراءة تحليلية في الحلقة الجديدة من بودكاست “ماذا بعد” مع الدكتور أبوبكر باذيب

في حلقة جديدة من بودكاست “ماذا بعد”، تناول الدكتور أبوبكر باذيب التقرير الأخير الصادر عن وزارة الخارجية الهولندية بشأن الوضع الأمني في اليمن، والذي أثار اهتماماً واسعاً بين أوساط الجالية اليمنية في هولندا وسائر الدول الأوروبية. عنوان الحلقة “هولندا.. اليمن غير آمن ولكن؟” لم يكن اعتباطياً، بل حمل دلالات عميقة عن مدى تعقيد العلاقة بين الوضع الأمني في اليمن ومعايير قبول طلبات اللجوء في الدول الأوروبية.

تفاؤل أولي… سرعان ما يصطدم بالواقع

استهل الدكتور باذيب حديثه بملاحظة واقعية حول مشاعر التفاؤل التي غمرت العديد من اليمنيين فور صدور التقرير، وتساءل بصراحة عن مدى تأثير هذا التقرير على سياسات اللجوء في هولندا.

هل سيساهم التقرير في إعادة فتح الباب أمام منح اللجوء لليمنيين كما كان الحال قبل مارس 2024؟ هل سيمنح هذا التقرير دفعة قانونية أو إنسانية لمَن رفضت طلباتهم سابقاً؟ الجواب من وجهة نظر باذيب كان حاسماً: لا، ليس بشكل مباشر.

“التقرير لا يفتح الأبواب على مصراعيها، لكنه يمنح مساحة أمل وتحرك ذكي للمحامين وطالبي اللجوء”

التقرير كأداة دعم قانوني

يرى الدكتور باذيب أن التقرير، بما تضمنه من عشرات المصادر والمراجع الموثوقة، يشكل مادة مرجعية قوية يمكن الاعتماد عليها في المقابلات والاستئنافات القانونية، لكنه في الوقت نفسه يوضح أن هذا التقرير لا يعفي طالب اللجوء من مسؤولية تقديم قصة متماسكة ومقنعة ومدعومة بالأدلة. بمعنى آخر، التقرير يدعم الإطار العام، لكنه لا يعوض القصة الفردية.

اليمن… بلد غير قابل للعودة

من أهم الرسائل التي أكدها التقرير – وكررها باذيب – أن اليمن غير آمن للعودة، سواء كانت هذه العودة قسرية أو طوعية، والوضع الأمني هش للغاية، ويصعب على أي جهة حكومية أوروبية أن تبرر إعادة اللاجئين إلى بيئة مشتعلة بالصراعات والانقسامات.

التقرير تناول بالتفصيل الجوانب السياسية والإنسانية والأمنية في مختلف المحافظات اليمنية، وتطرق إلى سيطرة الميليشيات، وتدهور مؤسسات الدولة، وانتشار الاختطاف والتعذيب والاعتقالات، مما يعزز موقف من يدّعي أن عودته إلى اليمن تشكل خطراً حقيقياً على حياته.

ثلاثية القرار: المحقق، المترجم، والمُتقدم

أبرز الدكتور باذيب ما وصفه بـ”فلاتر المقابلة”، أي العوامل الثلاثة التي تحكم قرار اللجوء:

  1. المحقق: الذي يدقق في المصداقية والبناء المنطقي للرواية.
  2. المترجم: الذي يجب أن يكون دقيقاً في نقل المعنى الحقيقي دون تشويه أو إسقاط.
  3. المتقدم بالطلب نفسه: الذي يقع على عاتقه إيصال روايته بوضوح وثقة ودون تشتت.

أي خلل في هذا الثلاثي قد يؤدي إلى نتيجة سلبية، حتى لو كانت المعطيات السياسية تدعم القضية.

الحياد الأكاديمي بين الحقيقة والوهم

في نبرة صريحة وجريئة، رفض الدكتور باذيب فكرة “الحياد” المطلق، معتبراً أن الباحث أو الصحفي أو المحلل لا يمكن أن يكون محايداً بالكامل.

فكل قراءة للتقرير أو الواقع تنطلق من قناعات وتجارب ذاتية. وبناء عليه، جاءت قراءته للتقرير من منطلق الدفاع عن الإنسان اليمني وحقه في الحماية الدولية، لا من منطلق تنظيري أو تقني فقط.

اليمني معرض للخطر… لمجرد وجوده هناك

كرر الدكتور باذيب قناعته بأن “كل يمني موجود داخل اليمن، هو معرض للخطر”، سواء كان في مناطق الحوثيين أو الشرعية أو الجنوب.

التقرير عزز هذه الرؤية بحديثه عن تجنيد الأطفال، وزراعة الألغام، والاعتقالات العشوائية، والتضييق على الحريات، والانهيار الاقتصادي، وغيرها من المخاطر التي تبرر الحاجة إلى الحماية الدولية.

ملاحظات ختامية: مساحة للأمل ومسؤولية للجهد

اختتم الدكتور باذيب حلقته بدعوة صريحة لكل طالب لجوء يمني في هولندا وأوروبا إلى التعامل مع التقرير كأداة وليس كضمان. التقرير يوفر “مساحة أمل”، لكنه لا يعفي من تقديم قصة قانونية دقيقة ومتماسكة. كما أكد على أهمية الاطلاع على تفاصيل التقرير وفهم أبعاده وربطها بالواقع الشخصي، لأن هذه هي الوسيلة الوحيدة لإقناع الجهات المختصة.

خلاصة القول:

تقرير الخارجية الهولندية عن اليمن شكل نقطة تحول مهمة في فهم الوضع الأمني والقانوني في البلاد، لكنه ليس مفتاحًا سحريًا للجوء.

الحلقة الجديدة من بودكاست “ماذا بعد” قدمت قراءة تحليلية متزنة وعميقة لهذا التقرير، واضعة مسؤولية كبرى على الأفراد في كيفية الاستفادة منه. ففي زمن تُقاس فيه القرارات المصيرية بكلمة واحدة، يظل الوعي والفهم هما السلاح الأقوى في يد طالبي اللجوء.

يمكنكم تابعة الحقلة بالضغط على هذا الرابط

Please follow and like us:

+ There are no comments

Add yours