الهولنديون والعمالة المستقلة: قصة محفوفة بالتحديات
في الوقت الذي تشهد فيه سوق العمل الهولندية توترًا كبيرًا حول العمال المستقلين (ZZP)، يبدو أن النقاش حول هذا الموضوع أقل حدة في الدول المجاورة. لكن ما السبب؟ وهل يمكن لهولندا أن تستفيد من تجارب الدول الأخرى؟
تشجيع ريادة الأعمال في هولندا
منذ أواخر التسعينيات، شجعت هولندا بشكل كبير ريادة الأعمال المستقلة، مثل تقديم إعفاءات ضريبية للمستقلين. وفقًا للدكتور نيلس فان دير نيوت، أستاذ قانون العمل، “الفكرة كانت أن العمال المستقلين يعززون الابتكار والاقتصاد”. لكن، يبدو أن هذه السياسة شجعت الاستقلالية بشكل مفرط، مما أدى إلى زيادة كبيرة في عدد العمال المستقلين، بينهم العديد ممن يُطلق عليهم “مستقلون صوريون”، وهم يعملون كمستقلين بينما تنطبق عليهم قوانين الموظفين.
هذا الوضع يُسبب اضطرابًا في سوق العمل، حيث يدفع أصحاب العمل مساهمات اجتماعية أقل، ويحصل هؤلاء المستقلون على مزايا ضريبية. لذلك، تسعى الحكومة الهولندية لمزيد من الرقابة لوقف المنافسة غير العادلة وتحقيق مساواة في ظروف العمل.
بلجيكا: نموذج يُحتذى به؟
بحسب الخبراء، يمكن لهولندا أن تستفيد من النموذج البلجيكي. رغم وجود عدد كبير من المستقلين في بلجيكا، فإنهم ملزمون بالمساهمة في الضمان الاجتماعي بشكل أكبر، بما في ذلك تأمين إجباري ضد العجز عن العمل ونظام تقاعد منفصل.
هوجو-يان راتس، رئيس تحرير موقع ZiPconomy، يقول: “في بلجيكا، يدفع المستقلون كثيرًا، مما يجعل النقاش حول كونك مستقلًا أو موظفًا أقل حدة، لأنك تُساهم في النظام الاجتماعي بغض النظر عن حالتك”.
النظام القانوني والضمان الاجتماعي في بلجيكا
المستقلون في بلجيكا يدفعون 20.5% من دخلهم الصافي للضمان الاجتماعي، ويُعتبر الفرق الضريبي بين المستقلين والموظفين ضئيلًا مقارنة بهولندا. علاوة على ذلك، تُعرّف العلاقة بين صاحب العمل والمستقل بشكل قانوني مختلف تمامًا عن العلاقة مع الموظفين، وهو ما تم تقنينه في قانون صدر عام 2006.
لكن بلجيكا ليست خالية من المشكلات، إذ تواجه حالات استغلال للمستقلين في قطاعات مثل الزراعة وخدمات توصيل الطعام، ما دفع الحكومة إلى وضع معايير إضافية لمنع الاستغلال.
ألمانيا: نظام مقيد ومستقر
في ألمانيا، عدد العمال المستقلين أقل بكثير، إذ يُسمح لهم فقط في مهن محددة، مثل الفن أو الاستشارات التقنية. بينما لا يُسمح لمهن مثل التمريض أو توصيل الطعام بالعمل كمستقلين. يقول الدكتور فان دير نيوت: “هذا يقلل من الجدل حول الاستقلالية الوهمية”.
ماذا بعد؟
رغم أن هولندا تدرس تجارب الدول الأخرى، فإن التحدي الأكبر يكمن في الاختلافات في النظامين الضريبي والاجتماعي. يقول فان دير نيوت: “لتطبيق النموذج البلجيكي، تحتاج هولندا إلى إصلاح كامل للنظام، وهو أمر يعتبره السياسيون معقدًا”.
في الوقت ذاته، تسعى الحكومة الهولندية إلى تقليص الفجوة، مثل خفض الإعفاءات الضريبية للمستقلين، والعمل على تأمين إجباري ضد العجز عن العمل. يقول سيم أوفردوين من مجموعة HeadFirst: “نحتاج إلى نظام يعكس اختيار الناس للعمل كمستقلين، مع ضمان المساهمة في النظام الاجتماعي وتحقيق المساواة بين جميع العاملين”.
+ There are no comments
Add yours