رؤية تحليلية من واقع الميدان في بودكاست “ماذا بعد”
في حلقة جديدة من بودكاست “ماذا بعد”، قدم الدكتور أبو بكر باذيب نقاشاً معمقاً مع المهندس وائل عليوه، أحد أبرز الأصوات المهاجرة المهتمة بالشأن الأوروبي، حول ما وصفه بـ”التحول الجذري في طريقة تعامل الحكومة الهولندية مع ملف اللاجئين”.
هذه الحلقة لم تكن حواراً تقليدياً، بل عصفاً ذهنياً عالي الكثافة تناول جوانب السياسة، والإعلام، والمجتمع، والواقع النفسي، ضمن مشهد متداخل ومعقد.
وقد قام موقع “هولندا عربية” بتلخيص أبرز محاور هذا الحوار، لتقديم صورة شاملة ودقيقة للواقع الذي يعيشه اللاجئون في هولندا اليوم.
وصف عليوه السياسة الحالية في هولندا تجاه اللاجئين بأنها لعبة استنزاف ممنهجة، تقوم على إنهاك اللاجئ نفسياً قبل أن يُنهك قانونياً.
لا قوانين جديدة تم تمريرها رسمياً خلال العام والنصف الماضي، ورغم ذلك، فإن الإجراءات المتخذة على الأرض كفيلة بأن تجعل أي لاجئ يشعر بأنه تحت مطرقة تشريعات غير مكتوبة ، يتمثل ذلك في تأخير الملفات، تجميد قرارات لمّ الشمل، ونشر روايات إعلامية تولّد الذعر، وتصبح لاحقاً وكأنها حقائق قانونية.
بحسب المهندس عليوه، فإن صعود اليمين المتطرف في هولندا لم يأتِ من فراغ، بل استُخدم بمهارة كوسيلة لتحويل الأنظار عن الأزمات الحقيقية، وصبّ اللوم على اللاجئين الذين لا يمثلون أكثر من 6% من سكان البلاد. هذه النسبة، وإن كانت ضئيلة، تحولت إلى بؤرة خطاب سياسي متوتر، يخدم جهات تسعى إلى تعويم المشاكل الوطنية عبر تصديرها إلى “الآخر” اللاجئ.
اللافت في الحديث، هو إشارات الضيف المتكررة إلى أن الإجراءات التي تمارس ضد اللاجئين لا تأتي عبر القانون، بل عبر “حرب نفسية” تبدأ من الشائعة وتنتهي بتطبيع الظلم.
اللاجئ يسمع أن الإجراءات ستتأخر، فيتردد في القدوم ثم يسمع أن العودة إلى بلده قد تكون آمنة، فيبدأ بالتفكير بالانسحاب، إنها معركة في الوعي، وليست فقط في النصوص التشريعية.
وتحدث عليوه عن ظاهرة بدأت تتسع مؤخراً، وهي الهجرة العكسية لعدد من السوريين ، بعضهم عاد مؤقتاً، والبعض الآخر يفكر جدياً في العودة النهائية. هذه الظاهرة، كما يقول، لا تأتي من تحسّن كبير في الأوضاع داخل سوريا فحسب، بل من شعور عام بالخذلان في أوروبا. ومع كل زيارة أو إجازة، تُسجل تحركات اللاجئين بدقة، ما يعزز فرضية أن هناك مراقبة تهدف إلى استخدام تلك التحركات لاحقاً ضدهم في ملفات الإقامة أو الجنسية.
ولم يُخفِ المهندس وائل عليوه قلقه من التحولات الاقتصادية القادمة، مشيراً إلى تقليص ميزانيات الصحة والتعليم، والتركيز على تمويل الدفاع، كعلامة على أن المرحلة المقبلة ستكون أكثر صرامة وتقشفاً، ليس فقط تجاه اللاجئين بل أيضاً تجاه المواطن الهولندي العادي.
القلق أصبح ملموساً حتى في النصائح الشخصية، كما قال، حين أخبره صديق هولندي: “ابقَ سيارتك ممتلئة دائماً بالبنزين… فقد لا تعرف متى تحتاج أن تغادر فجأة”.
ورغم كل هذا السواد، لم تغب الواقعية عن الحديث. أشار عليوه إلى ضرورة توعية اللاجئين، والتمييز بين اللجوء الإنساني والسياسي، والتعامل مع ملفاتهم بوعي قانوني، لا بعشوائية عاطفية. وانتقد بشدة فوضى السوشيال ميديا التي وصفها بأنها مليئة بكل من “هبّ ودب”، ما يزيد من حالة الذعر والارتباك.
وفي الختام، وجّه دعوة صريحة إلى كل من يفكر باللجوء إلى هولندا: “فكّر جيداً، وادرس الواقع كما هو، لا كما يُروَّج له.
لا تأتي إلى هنا هارباً من الموت لتقع في قبضة الموت البطيء” هذه الكلمات، التي اختتم بها الحوار، كانت انعكاساً لواقع لا يُحكى كثيراً في الإعلام التقليدي، لكنها تُسمَع بصوتٍ عالٍ في تفاصيل الحياة اليومية للاجئين داخل أوروبا.
+ There are no comments
Add yours