مقال رأي بقلم: فينسنت سميدينغ وإيمان أبرونتان
صوّت مجلس النواب الهولندي مؤخراً لصالح مقترح يتيح احتجاز طالبي اللجوء المزعجين في مراكز استقبال خاصة. والمثير للدهشة أن الأحزاب اليسارية، التي طالما رفعت شعار الدفاع عن حقوق الإنسان، دعمت هذا الإجراء، في وقت كانت فيه الحاجة ماسّة إلى قيادة أخلاقية حقيقية.
تخيّل أنك دخلت إلى متجر ونسيت دفع ثمن إحدى المشتريات، أو أنك استقللت القطار دون تذكرة لأنك لم تتمكن من تحمل تكاليفها الباهظة. هل سينتهي بك الأمر في السجن بسبب ذلك؟ بالطبع لا. ومع ذلك، فإن هذا بالضبط ما يريده مجلس النواب لطالبي اللجوء الذين يرتكبون مخالفات بسيطة.
الأسبوع الماضي، وافق البرلمان على اقتراح يدعو إلى احتجاز طالبي اللجوء المزعجين في مراكز خاصة دون محاكمة. هذا القرار يعدّ انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، إذ لا يجوز تقييد حرية أي شخص دون إجراءات قانونية عادلة، والجميع، بغض النظر عن وضعهم، يستحقون محاكمة عادلة.
إن معاملة طالبي اللجوء بشكل مختلف عن المواطنين الهولنديين ومعاقبتهم بصورة أشد هو تمييز واضح وانتهاك لمبدأ المساواة أمام القانون.
من المثير للقلق أن الأحزاب التي لطالما أكدت التزامها بحقوق الإنسان، مثل خروين لينكس-حزب العمال، الحزب الاشتراكي، D66، والحزب المسيحي الموحد، قد دعمت هذا الإجراء بدلاً من رفضه.
إعادة مراكز الاحتجاز رغم الأحكام القضائية ضدها
لم يكن هذا النوع من السياسات جديداً. ففي العام الماضي، كشفت صحيفة NRC أن الوزيرة السابقة ييليغوز أمرت باحتجاز طالبي اللجوء “منخفضي الحظوظ” في مراكز مغلقة بحجة “الحد من الإزعاج”.
تم احتجاز هؤلاء الأشخاص في مرافق ذات رقابة مشددة، وكان عليهم البقاء متاحين طوال الوقت للحفاظ على طلبات لجوئهم، مما يعني فعلياً أنهم كانوا محتجزين ،كما تم تطبيق القانون الجنائي عليهم بصرامة أكبر مقارنة بغيرهم، مما سهل رفض طلبات لجوئهم.
لكن المحكمة الهولندية قضت بعدم قانونية هذه الممارسة، وأمرت بإغلاق هذه المراكز. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا الحكم القضائي، فإن غالبية البرلمان تسعى الآن لإعادة تشغيل هذه المراكز عبر استخدام إطار قانوني مشابه لذلك المستخدم في مراكز المراقبة والاحتجاز داخل مراكز اللجوء.
تمييز غير مبرر وخطاب معادٍ للمهاجرين
المبرر الرئيسي لهذه السياسات هو الرغبة في “إبعاد طالبي اللجوء المزعجين عن الشوارع”، لكن المشكلة تكمن في أن تعريف “الإزعاج” ظل غامضاً. في مناقشات البرلمان، بدا أن الإزعاج يشمل ليس فقط ارتكاب المخالفات البسيطة، بل حتى مجرد شعور السكان بعدم الأمان عند رؤية طالب لجوء.
ما يزيد من خطورة الوضع هو أن الأحزاب التي لطالما دافعت عن حقوق المهاجرين، مثل خروين لينكس-حزب العمال، باتت الآن تدعم سياسات تساهم في تصعيد إجراءات الحكومة اليمينية المتطرفة ضد طالبي اللجوء.
في مناقشات البرلمان الأخيرة، تعرضت وزيرة اللجوء والهجرة مارجولين فابر، المنتمية إلى حزب الحرية المتطرف، لانتقادات من جميع الأطراف، بما في ذلك المعارضة، لأن سياساتها لم تكن “صارمة بما فيه الكفاية”، وردت الوزيرة بأنها تسعى لطرد طالبي اللجوء الذين يتسببون في الإزعاج بأسرع وقت ممكن، ولا تتردد في استغلال أي ثغرات قانونية لتحقيق ذلك.
سياسات تزيد من تدهور حقوق الإنسان
لا أحد ينكر أن هناك مشكلات حقيقية تتعلق بسلوك بعض طالبي اللجوء، لكن الحل لا يكمن في فرض عقوبات تمييزية عليهم. فالمخالفات التي يرتكبها البعض يجب أن تعالج من خلال القانون الجنائي العادي، مثل أي شخص آخر في هولندا. أما إنشاء نظام عقابي خاص لطالبي اللجوء فقط، فهو إجراء غير عادل يعزز الصورة النمطية الخاطئة بأن المهاجرين هم مصدر المشاكل.
بدلاً من تجريم طالبي اللجوء، يجب على الحكومة معالجة الأسباب الحقيقية لهذه السلوكيات، مثل:
- نقص مراكز الاستقبال، مما يجعل الظروف المعيشية غير إنسانية.
- التخفيضات في الميزانية، التي تؤدي إلى تأخير إجراءات اللجوء.
- أزمة السكن، التي تمنع انتقال طالبي اللجوء إلى مساكن دائمة.
المعارضة بحاجة إلى قيادة أخلاقية حقيقية
مع تنامي نفوذ اليمين المتطرف في السياسة الهولندية، يقع على عاتق المعارضة، وخاصة خروين لينكس-حزب العمال، مسؤولية قيادة جبهة أخلاقية قوية ضد هذه السياسات التمييزية.
بدلاً من البحث عن سبل لجعل هذه القوانين تتماشى مع الإطار القانوني، يجب على المعارضة أن ترفض جميع أشكال التمييز ضد طالبي اللجوء.
إن قبول مثل هذه الإجراءات لن يؤدي إلا إلى إضفاء الشرعية على الانتهاكات بحق المهاجرين، مما يهدد أسس سيادة القانون في هولندا.
على المعارضة أن تتخذ موقفاً حاسماً: لا لمراكز الاحتجاز، لا للتمييز، ونعم لسياسات إنسانية تحترم حقوق الإنسان للجميع.
+ There are no comments
Add yours