مستلهم من حديث الدكتور أبوبكر باذيب
في بودكاست “ماذا بعد”، قدم الدكتور أبوبكر باذيب حديثاً مؤثراً حول العلاقة المأساوية التي نسجها اليمنيون مع الغربة والموت والوطن، حيث بدت كأنها ثلاثية قَدَرية تلاحقهم أينما ذهبوا.
افتتح الدكتور باذيب حديثه بالتأكيد أن الخطر ما زال يلاحق اليمني أينما كان، سواء بقي في بلاده أو اغترب عنها.
فمن خرج من اليمن بحثاً عن حياة كريمة، لم ينجُ من ألم الفقد ولا من تهديدات الموت التي أصبحت تحاصر كل شبر من الجغرافيا اليمنية.
كانت علاقة اليمنيين بالموت هي المحور الرئيسي للحديث، غربة مضاعفة يعيشها اليمني حين يفقد أهله داخل الوطن دون أن يستطيع وداعهم، أو حين يُدفن هو نفسه بعيداً عن تراب بلاده ،حتى مع خفوت وطأة الغربة بمرور الزمن، تبقى مرارة الفقد عميقة لا تزول.
يستحضر الدكتور أبوبكر محطة فارقة في تاريخ اليمن الحديث: يوم سقوط العاصمة صنعاء بيد ميليشيات الحوثي في 21 سبتمبر 2014.
حدثٌ غيّر كل شيء، حين تحولت الدولة اليمنية – رغم بساطتها وضعفها – إلى مسرح للفوضى والدمار منذ ذلك اليوم، أصبح الحديث عن العودة الآمنة إلى الوطن ضرباً من المستحيل لكثير من اليمنيين.
قصة مصعب، زميل الدكتور وصديقه، كانت شاهدةً على هذه المأساة. مصعب، المواطن الهولندي من أصل يمني، غادر اليمن إلى أوروبا طلباً للأمان والاستقرار،لكنه حين عاد لزيارة أهله، استهدفته طائرة مسيرة حوثية، فكان موته نهاية حزينة لاتفاقه مع الحياة.
تحول مصعب إلى رمز للألم اليمني: مهما ابتعدت عن الحرب، يظل الموت يلاحقك متى عدت إلى وطنك الجريح.
يرى الدكتور أبوبكر أن علاقة اليمنيين بالموت اليوم أصبحت مرتبطة بكلمة واحدة: “الحوثي”. فمنذ سنوات، لم يعرف اليمنيون إلا القصف والحصار والاعتقالات والمجازر، سواء على يد الحوثيين أو عبر التدخلات الخارجية.
وهنا يطرح تساؤلاً وجودياً:
كيف يمكن للإنسان أن يحتفظ بولائه لوطن تحكمه ميليشيات جعلت الموت قدراً حتمياً لسكانه؟
رغم حب اليمنيين لأرضهم، إلا أن استمرار هذه المأساة يفقد كثيرين الشعور بالانتماء الحقيقي، ويحوّل رمزية الوطن إلى ذكرى حزينة مؤلمة.
لم يغفل الدكتور أبوبكر الإشارة إلى تهمة الانحياز المناطقي، مؤكداً أن معاناة اليمن اليوم شاملة: من حضرموت إلى شبوة والضالع، الحوثيون يقصفون كل المناطق دون تمييز، مما يجعل الهم مشتركاً لا يقتصر على منطقة دون أخرى.
واختتم حديثه بمرارة واضحة:
طالما أن ميليشيات الموت ما زالت تحكم اليمن، سيظل مصير اليمنيين يدور حول الموت والفقد والغربة.
وبرثاء صادق، دعا بالرحمة لروح صديقه مصعب، سائلاً الله أن يلهم أهله الصبر والسلوان، ومردداً “إنا لله وإنا إليه راجعون”.
+ There are no comments
Add yours